الخميس، 7 أبريل 2016

إلى الأجيال القادمة




حقًا إنني أعيشُ في زمنٍ أسود
الكلمة الطيبة لا تجدُ من يسمعها
والجبهة الصافية تفضح الخيانة
والذي ما زال يضحك
لم يسمعْ بعدُ بالنبأ الرهيب
أي زمنٍ هذا ؟
الحديث عن الأشجار يوشك أن يكون جريمة
لأنه يعني الصمت على جرائم أشد هولاً
ذلك الذي يعبر الطريق مرتاح البال
ألا يستطيع أصحابه
الذين يعانون الضيق
أن يتحدثوا إليه ؟
صحيحٌ أني ما زلت أكسب راتبي
ولكن صدقوني، ليس هذا إلا محض مصادفة
إذ لا شيء مما أعمله
يبرر أن آكل حتى الشبع
صدفة، أنني ما زلت حيًّا
( إن ساءَ حظّي فسوف أضيع )
يقولون لي: كُلْ واشربْ
افرح بما لديك !
ولكن كيف يمكنني أن آكل وأشرب
على حين أنتزع لقمتي
من أفواه الجائعين
والكأس التي أشربها
ممن يعانون الظمأ
ومع ذلك فما زلت آكل وأشرب
نفسي تشتاق إلى أن أكون حكيمًا
الكتب القديمة تصف لنا من هو الحكيم
هو الذي يعيش بعيدًا
عن منازعات هذه الدنيا
يقضي عمره القصير
بلا خوف أو قلق
العنف يتجنبه
والشر يقابله بالخير
الحكمة في أن ينسى المرء رغائبه
بدل أن يعمل على تحقيقها
غير أنني لا أقدر على شيء من هذا
حقًا إنني أعيش في زمن أسود.
* * *
أتيتُ هذه المدن من زمن الفوضى
وكان الجوع في كل مكان
أتيتُ بين الناس في زمن الثورة
فثرتُ معهم
وهكذا انقضى عمري
الذي قدر لي على هذه الأرض
طعامي أكلتُه بين المعارك
نمتُ بين القتلة والسفاحين
أحببتُ في غير اهتمام
تأملتُ الطبيعة ضيق الصدر
وهكذا انقضى عمري
الذي قدر لي على هذه الأرض.
* * *
الطرقات على أيامي كانتْ تؤدي إلى مستنقعات
كلماتي كادتْ تسلمني للمشنقة
كنتُ عاجز الحيلة
غير أني كنتُ أقضّ مضاجع الحكام
أو هذا على الأقل ما كنتُ أطمع فيه
وهكذا انقضى عمري
الذي قدر لي على هذه الأرض
القدرة كانتْ محدودة
الهدف بدا بعيدًا
كان واضحًا على كل حال
غير أني ما استطعتُ أن أدركه
وهكذا انقضى عمري
الذي قدر لي على هذه الأرض
* * *
أنتم يا من ستظهرون
بعد الطوفان الذي غرقنا فيه
فكروا
عندما تتحدثون عن ضعفنا
في الزمن الأسود
الذي نجوتم منه
كنا نخوض حرب الطبقات
ونهيم بين البلاد
نغيّر بلدًا ببلدٍ
أكثر مما نغيّر حذاءً بحذاء
يكاد اليأس يقتلنا
حين نرى الظلم أمامنا
ولا نرى أحدًا يثور عليه
نحن نعلم
إن كرهنا للانحطاط
يشوّه ملامح الوجه
وإن سخطنا على الظلم
يبح الصوت
آه، نحن الذين أردنا أن نمهد الطريق للمحبة
لم نستطع أن يحب بعضنا بعضًا
أما أنتم
فعندما يأتي اليوم
الذي يصبح فيه الإنسان صديقًا للإنسان
فاذكرونا
وسامحونا.

برتولت بريخت
كاتب ومخرج مسرحي ألماني



الأربعاء، 23 مارس 2016

تزوج.. وعش




يقال إن سقراط كان جالساً مع بعض تلامذته وهم مندمجين في نقاش فلسفي, وإذا بزوجة سقراط تصيح عليه أن يصعد إلى المنزل ليساعدها في بعض الأعمال, ولا احد يدرى إن كان سقراط قد سمعها وطنش أم انه لم يسمعها بالمرة بسبب اندماجه في الكلام مع تلامذته.. ويبدو أنها صاحت عليه كثيراً بينما عمنا سقراط ولا هو هنا, فما كان منها إلا أن جاءت بوعاء به ماء وصبته فوق رأسه أمام دهشة تلامذته واستنكارهم الشديد من تلك الإهانة التي لحقت بمعلمهم الكبير. ويبدو أن عمنا سقراط كان يشبه كثيراً عمنا عبد الفتاح ألقصري في فيلم ابن حميدو دائما كلمته تنزل الأرض المرة دي.. وعلشان يدارى عمنا الفيلسوف سقراط كسفته وخيبته قال لتلاميذه ( ألا ترون مدى كرم زوجتي حين ألقت عليّ الماء في هذا الجو الحار لأشعر بالبرودة فعلاً هكذا ينبغي أن تهتم المرأة برفاهية زوجها ولو رغماً عنه )
وزوجة سقراط والتي كان اسمها اكزانطيبة كانت مثل بعض النساء سليطة اللسان تحتقر زوجها دائماً وتؤمن بشدة بفشله وخيبته في الحياة
وعلى الرغم من انه كانت متزوجة من الفيلسوف الكبير سقراط إلا إنها لم تستفيد من فلسفته ورؤيته للحياة بأي شيء قط.. 
ولابد من أنها كانت تصبح سقراط بعلقة وتمسيه بعلقة لغاية ما بقى فيلسوف ومن هنا جاءت الجملة الخالدة وراء كل رجل عظيم امرأة تنغص عليه عيشته وعيشة اللي جابوه وتقرفه في حياته وتقصف عمره بدري
ولم يكن سقراط يشتكى حاله هذا مع زوجته فأولاً هو أصبح فيلسوف وثانياً يشكى لمين وكل الناس مجاريح.
وراحت الأيام تشيل وتحط في سقراط وزوجته أيضا تشيل وتحط فيه وكمان الناس بقت تشيل وتحط فيه وقدموه للمحاكمة التي حكمت بإعدامه وخيروه بين الموت شنقاً أو بالسم.. فاختار السم.
وسقراط هو مثل أي زوج في العالم وعلي مر التاريخ يقبع تحت جبل المشاكل والهموم والطلبات التي لا تنتهي وزوجة لا ترحم ولا تغفر, ولكن الميزة الجميلة في سقراط انه استطاع تحويل كل تلك الطاقة السلبية التي تضغط عليه فلسفة عميقة لا تكف عن التساؤل للبحث عن الحقيقة..      
وعندما سأله تلامذته ( ما رأيك في الزواج؟ هل تنصحنا بعدما رأيناه أن نتزوج أم لا ؟)
فأجاب سقراط ( بالطبع أنصحكم بالزواج فإن أصاب الواحد منكم زوجة طيبة فسوف يصبح سعيداً مغبوطاً, وإن أصاب امرأة شقية فمن المؤكد انه سوف يصبح فيلسوفاً )